أنيــش كابــور الفنان البريطاني المولود في بومبي سنة(1954) من أب هندي وأم عراقيه مسيحية الديانة يعتبر اليوم النحات الأكثر شهرة في العالم التي تتسابق المتاحف والقاعات الفنية وحتى المدن الكبرى لاحتضان عروضه المثيرة وأعماله التي توحي ارتباطها بلغز الإنسان..
حياته العلميه:
عاش ودرس في الهند حتى سنة 1972 إذ قصد لندن لتوسيع وتعميق دراسته الفنية في(كلّيّة هورسني للفنون) ثمّ في(مدرسة جلسي للتصميم) حيث ظهرت مواهبه وهو لمّايزل طالباً، بل سرعان ما غدا في ثمانينات القرن الماضي من النحّاتين البارزين ذوي الأساليب الإبداعيّة الخاصّة، وراح ينال العديد من الجوائز الكبيرة، منها: جائزة بيناله فينيسيا الإيطاليّة في1990وجائزة ترنر في1991، كما حصل على الزمالات الفخرية: في معهد لندن(1997) و(المعهد الملكي للمهندسين المعماريين البريطانيين في2001) و(البنك المركزي في2003) وهو معروف بتعاونه مع الموسيقيين والمخرجين المسرحيين،والمهندسين المعماريين لإنجاز العديد من الأعمال الفنية المهمة.وفد أقام العديد من المعارض الشخصيّة في بريطانيا ودول العالم وشارك في المعارض الجماعيّة.
كما انه ينتمي إلى حركة فنية تعرف باسم الحركة التركيبية أو البنائية Constructivism، أسسها الفنان الروسي إلي عازر ليسيتسكي Lissitzky وتحاول نقل المعرفة البشرية عن طريق الاقتصاد الشديد في عرض القوانين الطبيعية المعقدة والمزج بين الهندسة والإنشاء والفنّ.
ويسعى كابور إلى المحافظة على الطابع الرمزي المبتسر لهذه الحركة والارتقاء بالرسم والنحت إلى مرحلة المعمار الفني وإرجاع العمل الفنّي إلى أشكال هندسية بسيطة تخاطب الحواس فتتفاعل معها أو ترفضها فوراً بسبب النزعة الإيحائية المقتضبة التي تهيمن عليها مثل المرايا المقعرّة والمحدبة الصقيلة تماماً والمصنوعة من الفولاذ.
مميزات أعماله:
للوهلة الأولى تستلفت أكثريّة تماثيل وأنصاب كابور أنظار المشاهدين بأحجامها الضخمة الشبيهة بالتماثيل والنصب القديمة في: الهند، أفغانستان، مصر وأمريكا اللاتينيّة؛ حيث تقتحم الأفضية بكتلها الكبيرة، شاغلةَ الفراغات المناسبة؛ لتفرض رؤيتها على المشاهدين بمحسوسيّتها وقوّتها التعبيريّة، وبذلك يعيد كابور بفنّه الجماهيري مجد فنّاني الجداريّات المكسيكيين إلى الأذهان، كما يذكّرنا بمعالم الدمى السومرية والأقنعة الأفريقية وتماثيل الأزتيك والمايا العملاقة والثيران المجنحة الأشورية وسور الصين العظيم والأهرام المصريّة.
ترتبط القيمة الجماليّة لتماثيل وأنصاب آنيش كابور باستعماله الإبداعي للمواد المتاحة حتى الحدود القصوى، وقدرته الفذة على تجسيم أفكاره الفنّيّة بها، ثمّ بعلاقاتها بالفضاء المكاني من جهة وبالفضاء الذهني للمشاهدين من جهة أخرى، وكلّ ذلك يرتبط ببعضها البعض إرتباطاً جدليّاً. ولأنّ كابور فنّان يعي هذه الحقيقة؛ فهو يضفي جماليّة رائعة على تماثيله وأنصابه، مستعيناً بخياله الإبداعي المقترن بأسلوبه الخاص في معالجة العناصر الأساسيّة الثلاثة: المادّة، الشكل والتعبير بالمزج الجدليّ الخلاّق بينها؛ وهكذا تتشكّل بؤرة القيمة الجماليّة لأعماله.وطبعاً من البداهة انّ تمثالاً أو نصباً ما، لابدّ أنْ تتوافر له المادّة الخام، ثمّ لابدّ منْ أنْ تتخذ هذه المادّة على يد الفنّان شكلاً ما، ثمّ لابدّ منْ أنْ يتحدّد هذا الشكل إنطلاقاً منْ مفهوم أو تعبير، منْ قبلُ، ومنْ ثمّ يأتي دور التلقّي، حيث يؤثّر شكلُ التمثال أو النصب بمضمونه الجماليّ في نفس المشاهد ابتداءاً، ثمّ في ذهنه، و تختلف وتتباين عمليّة التلقّي باختلاف المشاهدين: عمراً، جنساً و ثقافةً.
تتجلّى مهارة كابور في كونه صانعاً (Artisan) حاذقاً وفنّاناً مرهفاً في الوقت ذاته؛ ممّا جعله يفلح في تحويل مواده الخام تحويلاً صناعيّاً- فنيّاً؛ ليترجم ويُمَظهِـر بأشكالها الجديدة(أي تماثيله وأنصابه) أحاسيسه وأفكاره الموّارة، وهذا يعني انّ فلسفته الجماليّة مركّبة(ماديّة- روحانيّة) فكابور لايعوّل على محاكاة الأشكال الواقعيّة؛ لأنه مدرك لحقيقة عجز المحاكاة عن إيجاد ومنح قيم فنيّة إبداعيّة جديدة، وإنّما يعوّل على الأشكال المبتكرة المتخارجة من ذهنه الخلاّق، ثمّ إنّه يتميّز بجرأة مشهودة في التنفيذ الحِرَفي لإستقصاءات مخيّلته الخلاّقة ؛ ولذا فإن أكثر أعماله رغم تحققها الموضوعي بأحجام هائلة تنطوي على مضامين وجدانيّة وفكريّة رهيفة ؛ ومن هنا فإنّ أعماله تتسم بالأبّهة والمهابة والليونة والإنسيابيّة معاً، وطبعاً لولا ثراء كلا العنصرين المادي والروحاني المتواشجين في أعماله ؛ لما قُيّض له الفلاح في إثبات وجوده فنّاناً مبدعاً ذا نزوع تعبيري غير خافٍ على المشاهد اللبيب، ناهيكم عن الناقد الخبير.
يعتمد كابور في تجسيم نزعته التعبيرية(وهي تبليغية) على العاملين: الطبيعي والنفسي، حيث يعني الأول بحجوم واوضاع تماثيله وانصابه في الفضاء المكاني، ويعني الثاني بالقوى والإنفعالات النفسية المقترنة بمشاهدة فيزيقيتها المتجسسة بأشكالها وحجومها وألونها وأوضاعها،بما لها من أصداء في نفوس وأذهان المشاهدين الكثر،وعندما يفلح كابور في إيصال أحاسيسه وهواجسه وأفكاره الخاصة إلى المشاهدين.
وعلى ذكر(التجسيم) يستوقفنا كابور بتركيزه على تجسيم أشكال:المكعب، والمخروط، الإسطوانة…حتى الأشكال الحوتية الهائلة،لكي يشيد معماره البنائي هندسياً ،كما لو أنه من ارومة الفنانين التكعبيين المهتمين بالعمل الفني التشكيلي على أساس هندسي معماري، ويبدو ايضاً متأثراً بالنحات والمثال الروسي- الفرنسي ألكسندر أرجيينكو(1887-1964) في توظيف الفراغ(الثغرات والتجويف) كعنصر تشكيلي ضمن كتلة التمثال او النصب؛ بغية تحقيق قيمة جمالية منشودة، شأنها شأن جماليات الكتل ذات الحجوم الهندسيه وشبه الهندسية..
ولقد جمع كابور بهذا المنحي مابين السطوح المحدبه والمقعرة ،التي تتفاعل ايضا لتكوين تماثيله وانصابه، ومن الواضح ان كابور يؤلف بين فني النحت والتصوير كمثل الفنان الامريكي ألكزاندر كالدر الأبرز في المذهب (التجريدي الحركي).
وكون كابور فنانا بصريا فهو يستوحي رسوماته من المصادر الفيزيكية وخاصة من إشراقات النور وظلال العتمة.وكثيرا ما يوظف اللون الأحمر؛لأنه يخلق مناخات غامضه أكثر من الأسود أو الأزرق.
كابور فنان مغامر جدا،وهو اعظم محرر للمنحوتات والتماثيل من المناحت والمعارض المغلقة، واعماله تجتذب انظار المشاهد والمشاهدة منذ الوهلة الأولى بأحجامها الهائلة وأشكالها المدهشة الطريفة الغريبة وألوانها الجميلة التي تصب في خاصية التضارب التي ينتهجها كمبدأ فلسفي: أرض/سماء، مادة/عقل، ضوء/ظلال، مرئي/غير مرئي ، وعي/لاوعي ، انثى/ذكر، جسد/روح ، ناهيك عن جمعه بين الفن والهندسة والنحت والتصميم.
الكاتبة : أسماء خالد العماري
أسماء خالد العماري كاتبة *حاصلة على درجة البكالوريوس في العلوم.من كلية التصاميم والفنون في الرسم والفنون. تقدير ممتاز مع مرتبة الشرف. جامعة الملك عبدالعزيز. *حازت على جائزة التحدي. مسابقة tiny لأصغر لوحة. كلية التصاميم. *حاصلة على عدة دورات و شهادات في مجال التربية الفنية.* مشاركة في ملتقى ومعرض منارة العرب الدولي الثاني الالكتروني للثقافة والفنون. الاردن.